top of page

ما تعلمته من خلال عملي في البنك المركزي المصري

كتابة محمد ضحاوي


المبادرة: خط رفيع بين اكتساب الاحترام والظهور كمتكبر



عملت في السنتين الماضيتين في قطاع الأسواق في البنك المركزي المصري وتحديداً ضمن فريق الأسواق النقدية والمالية.


لديّ شغف بمساعدة بلدي ومنذ بدأت عملي في البنك المركزي حالفني الحظ بما يكفي لأصبح جزءاً من التغييرات الإقتصادية في مصر.

ولطالما كنت بارعاً في الأمور المرتبطة بالأرقام وأعتقد أنّ مصر تتمتّع بإمكانيّات وقدرات للتحسين لذلك قررت أن أكون جزءاً من التغيير الصاعد وأن أبذل قصارى جهدي في هذا المضمار.

ولكن كيف انتهى بي المطاف في البنك المركزي المصري وأنا حديث التخرّج؟ في الواقع حصل الأمر كلّه صدفة.كنت قد تخرّجت لتوّي وتركيزي منصبّ على العمل في مصرف خاص. وسألت من حولي وعلمت من صديقة أمّي بأنّ البنك المركزي المصري لديه وظائف شاغرة. ورغم أنّ البنك لم يكن من بين الخيارات المطروحة بالنسبة إليّ إلّا أن الفرصة أثارت اهتمامي. وكل شيء بدا صائباً، فأنا سأتمكّن من القيام بما أبرع فيه وفي الوقت نفسه أن أقدم مساهمة لبلدي لذلك قدّمت طلباً مرفقاً بسيرتي الذاتية. ومن بعدها خضعت لمقابلات عدّة وكتبت ورقة بحثية عن موضوع معيّن طُلب منّي.

عندما حصلت على الوظيفة، شعرت بسعادة غامرة. كما أنّ الخبرة والبحث عن وظيفة، بالإضافة إلى التحوّل من فكرة العمل في مصرف خاص إلى مصرف حكومي، جعلاني أُدرك أن الإنفتاح على الأفكار الجديدة والبحث باستمرار عن فرص للتعلّم والتطوير أمران ضروريان. فأن نعلق في "منطقة الراحة" (comfort zone) الخاصّة بنا، يعني ألّا نتمكّن من تحقيق أي شيء ذي معنى. ومن جهتي، لو لم أقم بهذه القفزة لمجرد "الاندفاع نحوها"، لما كنت في المكان الذي أنا فيه اليوم.

وكان البدء بالعمل في البنك المركزي مربكاً ولكن مع الوقت وجدت فيه بيئة تعليمية عظيمة لي. فدوري يغطّي حالياً العديد من التحديات ولكن أيضاً مجموعة عوامل مهمّة. ومجال تركيزي الرئيسي هو مشاريع تطوير السوق المحلية كما أنّي أجري تحليلات للاتجاهات الحالية في السوقين المحلّية والدولية. ويشمل التحليل أيضاً اقتراح مواضيع بحث اقتصادية ومناقشتها تركّز على التطورات النقدية والمالية بما يشكّل أساساً لصناعة السياسات. وأسبوعياً أيضاً أغطّي سوق الائتمان المحلّي فضلاً عن سلوكيات المستثمرين الأجانب.

وأفضل مردود بالنسبة إليّ كان رؤية عملي على مختلف المشاريع ينفّذ فعلياً في السوق. وفي كلّ مرّة يحصل ذلك، ينتابني إحساس بأنّي حققت إنجازاً وبأنّي أحدث فرقاً. كذلك يعلّمني الوقت الذي أقضيه في البنك العديد من الدروس المهمة والبعيدة عن مكان العمل، تتعلّق بأمور تحدث فرقاً كبيراً في حياتي الشخصية.

من هذه الدروس نعمة الصبر. فكل شيء يحتاج وقتاً والأمور عادة ما تستغرق أكثر مما نتوقّع. لذلك علينا أن نتحلّى بالصّبر في مسيرتنا المهنية أيضاً. فلن نصبح مثل مارك زوكربرغ من دون بذل وقت وجهد. والدرس الرئيسي الآخر الذي تعلّمته هو الثقة. فجزء كبير من ثقتي بنفسي بنيتها من العمل في البنك لا سيمّا رؤية مدى احترام الناس حين يكون لدينا الاندفاع والإيحاء دائماً بأننا قادرون والإمساك بزمام المبادرة. ولكن لا بدّ من أن أحذّر من أنّ الإفراط في الثقة يمكن أن يشكّل خطوة إلى الوراء، لأنها تجعل الناس يعتقدون أنك متكبّر. فهناك خط رفيع للغاية بين الاثنين.

وأخيراً المرونة. لطالما شجّعني أهلي على الإنفتاح على الفرص والتغيير، وهو ما يساعدني على التعامل مع الناس على اختلافهم ومواجهة الأوضاع الصعبة.

قد لا نتعلّم هذه الدروس بين ليلة وضحاها لكننا نحتاج للبدء من نقطة ما. لذلك علينا أن نقوم بالقفزة الآن ونتابعها.



 

كتابة

محمد دربالة


محلل مالي بالبنك المركزي المصري. في بعض الأحيان ستجدني في بدلة، احلل واجري البحوث لتشكيل السياسات الاقتصادية الجديدة. أحياناً ستجدني في بدلة رياضية أفكر في أسرار الحياة عندما يأتي الإلهام. في معظم الأحيان، ستجدني أستلقي وأتخذ الأمر بسهولة. في جميع

الأوقات، وعلى استعداد لمواجهة التحديات الجديدة والمغامرات!

 

Comments


bottom of page